ترجل فارس آخر عن جواد الفن وغادر دنيانا أحد الرواد إذ فقدت الدراما السورية فناناً كانت له بصمة وتاريخ ومكان بين الأوائل إنه الفنان ناجي جبر الذي توفي أمس عن 69 عاماً ولم يكد يمر عام واحد على وفاة شقيقه الفنان محمود جبر.
رحل ناجي بعد أن حجز مكاناً له في الذاكرة السورية فشخصية (أبو عنتر) لن تُنسى بسهولة ولن تُمحى وسوف تبقى خالدة إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى فقد كان المرحوم أحد الأعمدة التي نهضت عليها الكوميديا السورية وأعماله مع الفنان دريد لحام والمرحوم نهاد قلعي تعد اليوم من أمهات المسلسلات السورية وفي مقدمتها (صح النوم، حمام الهنا) ومقالب غوار ووادي المسك. للمرحوم نكهة خاصة في الأداء وكان الفن يجري في عروقه ولم يفكر إطلاقاً في إعتزاله فبعد أن رأى أن حال المسرح في سورية لم يعد يسر إتجه نحو الدراما التلفزيونية وكان مجلياً فيها فخروجه من عباءة (أبو عنتر) ودخوله في عباءات شخصيات تراجيدية من العيار الثقيل خير دليل على تمتعه بموهبة قل نظيرها وقد إشترك المرحوم في مسلسلات سورية مهمة مثل الخوالي وأيام شامية وأهل الراية وقد كانت شخصية (أبو راشد) في مسلسل (بيت جدي) آخر الشخصيات التي جسدها ناجي جبر وكان يحضر لأعمال تلفزيونية جديدة.
هذا دليل آخر على أن المرحوم ينتمي لجيل يرى في الفن رسالة نبيلة تكبد من أجلها ما تكبد وعانى ما عانى.
لقد ظهر ناجي جبر وزملاؤه في وقت كان يُعتبر فيه الفن عيباً والممثل مجرد (مشخصاتي) مهمته التهريج وإضحاك الناس ولكن هذا الجيل من الفنانين كان يرى أن مهمة الفنان أكبر من ذلك وأن الفن متعة ومعرفة وأداة تغيير فنصمم على تجاوز الصعوبات وإثبات الذات على حساب الذات.
يقول عنه صديقه الفنان والنجم عباس النوري: ناجي من المواهب الفذة وموته خسارة ليست ككل الخسارات لأنه ترك فراغاً كان يملؤه بحضوره ومن يملأ الحياة قلائل ولكنهم أفذاذ والحياة لا تعطي متسعاً من الوقت للمواهب الفذة إلا ما ندر. ناجي جبر خسارة وطنية حقيقية سنشعر بها لزمن طويل.
لقد كان المرحوم يرى أن المسرح لا يمكن له أن يموت ولا يمكن لأحد أن يلغيه لأنه مدرسة كبيرة ومنبر شريف ويستنهض الحياة.
ولد ناجي جبر في عائلة فنية سورية معروفة فشقيقه الأكبر المرحوم محمود كان من أهم الفنانين السوريين وقد توفي في العام الفائت وقد عمل الإثنان معاً في العديد من المسرحيات قبل أن يدخل ناجي إهاب شخصية (أبو عنتر) في أعمال نهاد ودريد.
توفي ناجي بعد أن وصلت الدراما التلفزيونية السورية إلى أماكن متقدمة في المشهد الدرامي العربي هذه الدراما التي مهد لها الدروب ناجي وزملاؤه.
ناجي جبر من الجيل الذي زرع زيتونة الدراما السورية وسهر عليها حتى أصبحت يافعة خضراء لكي تشرب أجيال أخرى من زيتها الطيب.
رحم الله ناجياً وأسكنه فسيح جنانه.